ولقد
صدق ( افلاطون )
في هذا
القياس
وأصاب به
البرهان
الصحيح . ثم أن
افلاطون
اتبع هذا
القول بأن
قال : فأما من
كان عرضة في
هذا العالم
التلذذ
بالمآكل
والمشارب
المستحيلة
لي الجيف
وكيف ايضاً
غرضة في لذة
الجماع فلا
سبيل لنفسه
العقلية إلى
التشبه
بالباري
سبحانه ، ثم
ان افلاطون
قاس القوة
الشهوانية
التي
للانسان
بالخنزير .
والقوة
الغضبية
بالكلب .
والقوة
العقلية
التي ذكرنا
بالملك ،
وقال : من غلبت
عليه
الشهوانية
وكانت هي
غرضه وأكثر
همته فقياسه
الخنزير ن
ومن غلب عليه
الغضبية
فقياسه قياس
الكلب ، ومن
كان الأغلب
عليه قوة
النفس
العقلية
وكان أكثر
أجبه الفكر
والتمييز
ومعرفة
حقائق
الأشياء ،
والبحث عن
غوامض اعلم
كان انساناً
فاضلاً قريب
الشبه من
الباري
سبحانه . لأن
الاشياء
التي نجها
للباري عز
وجل هي
الحكمة
والقدرة
والعدل
والخير
والجميل
والحق ، وقد
يمكن
للانسان أن
يدبر نفسه
بهذه الحيلة
، حسب ما في
طاقة
الانسان
فيكون
حكيماً
عدلاً
جواداً
خيراً . يؤثر
الحق الجميل .
ويكون بذلك
كله بنوع دون
النوع الذي
للباري
سبحانه من
قوته وقدرته
، لانها إنما
اقتبست عن
قربها
مشاكلة
لقدرته . فن
النفس على
رأي افلاطون
وجله
الفلاسفة
باقية بعد
الموت
جوهرها
كجوهر
الباري عز
وعلا يعني
انها من عالم
الامر
الحكيم كما
في قوله
تعالى : [ قل
الروح من أمر
ربي ] ، [ ونفخت
فيه من روحي ] . في قوتها
إذا تجردت ان
تعلم سائر
الاشياء . كما
يعلم الباري
بها . أو دون
ذلك برتبة
يسيرة . لانها
أودعت من نور
الباري جل
وعز ، وإذا
تجردت
وفارقت هذا
البدن وصارت
في عالم
العقل فوق
الفلك ، صارت
في نور
الباري ورأت
الباري عز
وجل ، وطابقت
نوره وجلت في
ملكوته ،
فانكسفت لها
حينئذ علم كل
شئ . وصارت
الاشياء
كلها بارزة
لها كمثل ما
هي بارزة
للباري عز
وجل . لأنا إذا
كنا ونجن في
هذا العالم
قد نرى فيه
اشياء كثيرة
بضوء الشمس ،
فكيف إذا
تجردت
نفوسنا
وصارت
مطابقة
لعالم
الديمومية .
وصارت تنظر
بنور الباري .
فهي لا محالة
ترى بنور
الباري كل
ظاهر وخفي .
وتقف على سر
وعلانية ،
وكان
أفسقورس
يقول : إن
النفس إذا
كانت وهي
مرتبطة
بالبدن
تاركة
للشهوات
متظهرة من
الادناس ،
كثيرة البحث
والنظر في
معرفة حقائق
الاشياء ،
انصقلت
صقالة ظاهرة
واتحد بها
صورة من نور
الباري ،
يحدث فيها
وبكامل نور
الباري بسبب
ذلك الصقال
الذي اكتسبه
من التطهر .
فحينئذ يظهر
فيها صور
كلها
ومعرفتها .
كما يظهر صور
خيالات سائر
الاشياء
المحسوسة في
المرآة إذا
كلنت صقلية .
فهذا قياس
النفس لان
المرآة إذا
كانت صدئة لم
يتبين صورة
شئ فيها
البتة . فإذا
زال منها
الصدء ظهرت
وتبينت فيها
جميع الصور ،
كذلك النفس
العقلية إذا
كانت صدئة
دنسة كانت
على غاية
الجهل . ولم
يظهر فيها
صور
المعلومات .
وإذا تظهرت
وتهذبت
وانصقلت
وصفاء النفس .
هو ان النفس
تتظهر من
الدنس .
وتكتسب
العلم ظهر
فيها حينئذ
صورة معرفة
جميع
الاشياء .
وعلى حسب
جودة
صقالتها
تكون
معرفتها
بالاشياء .
فالنفس كلما
ازدادت
صقالاً ظهر
لها وفيها
معرفة
الاشياء .
وهذه النفس
لاتنام
البتة . لانها
في وقت النوم
تترك
استعمال
الحواس
وتبقى
محصورة ليست
بمجردة على
حدتها . وتعلم
كل ما في
العوالم وكل
ظاهر وخفي ،
ولو كانت هذه
النفس تنام
لما كان
الانسان إذا
رأي في النوم
شيئاً يعلم
انه في النوم
، بل لايفرق
بينه وبين ما
كان في
اليقظة ن وذا
بلغت هذه
النفس
مبلغها في
الظهارة رأت
في النوم
عجائب من
الاحلام .
وخاطبتها
الأنفس التي
قد فارقت لا
بدان وافاض
عليها
الباري من
نوره ورحمته
فتلتذ حينئذ
لذة دائمة
فوق كل لذة ؛
تكون
بالمطعم
والمشرب
والنكاح
والسماع
والنظر
والشم
واللمس . لان
هذه لذات
حسية دنسة
تعقب الاذى .
وتلك لذة
الهية
روحانية
ملكوتية
تعقب الشرف
الاعظم ،
والشقي
المغرور
الجاهل من
رضي لنفسه
بلذات الحس ،
وكانت هي
اكثر اغراضه
ومنتهى
غايته ،
وإنما نجى في
هذا العالم
في شبه
المعبر
والجسر ،
الذي يجوز
عليه
السيارة ليس
لنا مقام
يطول . واما
مقامنا
ومستقرنا
الذي نتوقع ؛
فهو العالم
الاعلى
الشريف الذي
إليه نفوسنا
بعد الموت .
حيث تقرب من
باريها ،
وتقرب من
نورة ورحمته .
وقد روي عن
أبي عبد الله
الصادق (ع)
قوله : ان روح
المؤمن لأشد
اتصالاً
بروح الله من
اتصال شعاع
الشمس بها .
وقد روي في
حديث عن
النبي (ص) قوله :
يحشر الناس
على صور
نياتهم ، وعن
البراء بن
عازب قال : كان
معاذ بن جبل
جالساً
قريباً من
رسول الله (ص)
في منزل أبي
أيوب
الانصاري
فقال معاذ :
يارسول الله
ما رأيت قول
الله تعالى ؛
يوم ينفخ في
الصور
فتأتون
أفواجاً ؟
فقال _ص) : يا
معاذ سألت عن
أمر عظيم من
الأمر . ثم
أرسل عينيه
ثم قال : يحشر
عشرة أصناف
من أمتي
أشتاتاً قد
ميزهم الله
من المسلمين
وبدل صورهم :
فبعضهم على
صورة القردة
وبعضهم
الخنازير
وبعضهم
منكسون
أرجلهم من
فوق ووجوههم
من تحت ثم
يسحبون
عليها .
وبعضهم عمى
يترددون ،
وبعضهم
يمضغون
ألسنتهم
فيسيل القيح
لعاباً
يتقذرهم أهل
الجمع ،
وبعضهم
مقطعة
أيديهم
وأرجلهم ،
وبعضهم
مصلبون على
جذوع من نار ،
وبعضهم أشد
نتنأ من
الجيف ،
وبعضهم
يلبسون
جباباً
سابغة من
قطران لازقة
بجلودهم ،
فاما الذين
على صورة
القردة
فالقتات من
الناس ، وأما
الذين على
صورة
الخنازير
فإهل السحت .
وأما
المنكسون
على رؤوسهم
فأكلوا
الربا ،
والعمى
الجائرون في
الحكم والصم
لبكم
المعجبون
باعمالهم .
والذين
يمضغون
بألسنتهم
فالعلماء
والقضاة
الذين خالف
اعمالهم
أقوالهم .
والمقطعة
أبديديهم
وأرجلهم ،
الذين يؤذون
الجيران
والمصلوبون
على على جذوع
من نار
فالسعاة
بالناس إلى
السلطان
والذين هم
أشد نتناً من
الجيف .
فالذين
يتمتعون
بالشهوات
واللذات
ويمنعون حق
الله تعالى
في امولهم ،
والذين
يلبسون
الجباب فأهل
التجبر
والخيلاء . لن
من خالف
الإمام في
افعال
الصلاة يحشر
ورأسه رأس
حمار . ان
الكتبرون
يجعلون في
صور الذر
يتوطأهم
الناس حتى
يفوع الله من
الحساب
الحديث . وفي
الحديث عن
النبي (ص) قال :
كما تعيشون
تموتون وكما
تنامون
تبعثون ، قال :
رأيت ليلة
أسري بي
قوماً تقرض
شفاههم
وكلما قرضت
وفت فقال لي
جبرئيل :
هؤلاء خطباء
امتك تقرض
شفاههم
لأنهم
يقولون ما لا
يفعلون . وروي
عن أمير
المؤمنين
قوله (ع) عن
علماء
السلاطين
وعلماء
السوء ؛
فالصورة
صورة انسان
والقلب قلب
حيوان .
وباسنادة عن
الريان بن
شبيب عن
الإمام
الرضا (ع) قال :
يا ابن شبيب
ان تكون معنا
في الدرجات
العلى من
الجنان .
فاحزن
لحزننا
وافرح
لفرحنا
وعليك
بولايتنا .
فلو رجلاً
تولى حجراً
لحشرة الله
تعالى معه
يوم القيامة .
ولهذا اشارة
بعض اساطين
المعقول : ان
حشر خلائق في
الآخرة على
سبيل الوفد :
يوم نحشر
المتقين إلى
الوحمن
وفداً ن
ولقوم على
سبيل
التعذيب ؛
ويوم يحشر
اعداء الله
إلى النار
فهم يوزعون ،
ولقوم تحشر
المجرمين
يومئذ زرقا ،
ولقوم
ونحشره يوم
القيامة
أعمى ،
وبالجملة كل
أحد إلى غاية
سعيه وعمله
وإلى ما يحبه
ويهواه . حتى
انه لو أحب
حجراً لحشر
معه لقوله
تعالى : [ انكم
وما تعبدون
من الله حطب
جهنم ] وقوله
تعالى : [
احشروا
الذين ظلموا
وأزواجهم
وما كانوا
يعبدون من
دون الله
فاهدوهم إلى
صراط مستقيم
] . ولهذا ظهر
معنى القول ؛
بأن في داخل
بدن كل انسان
ومكمن جوفه
حيواناً
صورياً ،
بجميع
اعضائه
وأشماله
وقواه
وحواسه هو
موجود قائم
بالفعل لا
يموت بموت
هذا البدن ،
وهو المحشور
يوم القيامة
بصورته
المناسبة
لمعناة ، وهو
الذي يثاب
ويعاقب .
وليست حياته
كحياة هذا
البدن
المركب
عرضية واردة
عليه من
الخارج .
وإنما حياته
كحياة النفس
ذاتية . وهو
حيوان متوسط
بين الحيوان
العقلي
كسبتها
بيدها
العملة ،
وبهذا يرجع
ويؤول معنى
التناسخ عن
الحكماء
الأقدمين .
كافلاطون
ومن سبقه مثل
سقراط
وفيثاغورس
وغيرهما من
الاساطين ،
وكذا ما ورد
في لسان
النبوات ،
وعليه يجمل
الآيات
المشيرة إلى
التناسخ ،
وكذا قوله
تعالى : [
وإذا وقع
عليهم القول
أخرجنا لهم
دابة من
الارض
تكلمهم أن
الناس كانوا
بآياتنا لا
يوقنون ] .
وقوله
تعالى : [ ويوم
نحشر كل أمة فوجاً
ممن يكذب
بآياتنا فهم
يوزعون ]
وقوله تعالى : [
يومئذ
يتفرقون ] . كل
ذلك اشارة
إلى انقلاب
النفوس في
جوهرها
وصيرورتها
من أفواج
الامم
الصامتة
وخروجها يوم
النشور إذا
بعثر ما في
القبور وحصل
ما في الصدور
على صورة
أنواع
الحيوانات
منالسباع
والمذيات
والبهائم
والوحوش
والشياطين .
ولهذا ترى ما
قالة بعض
العرفاء
واصحاب
اليقين ؛ كل
من شاهد بنور
البصيرة
باطنه في
الدنيا لرآه
مشحوناً
بأصناف
السباع
وأنواع
الهوام مثل
الغضب
والشهود
والحقد
والحسد
والكبر
والعجب
والرياء
وغيرها . وهي
التي لا تزال
تفترسه
وتنهشه إن
سهى عنه
بلحظة . إلا ان
اكثر الناس
لكونه محجوب
العبن عن
مشاهدتها .
فذا كشف
الغطاء ووضع
قبره عاينها .
وقد تمثلت له
بصورتها
وأشكالها
الموافقة
لمعانيها .
فيري بعينه
العقارب
والحيات قد
أحداقت به
وإنما هي
صفاته
الحاضرة .
الآن قد
انكشفت له
صورها فإن
أردت يا أخي
أن تقتلها
وتقهرها
وأنت قادر
عليها قبل
الموت فافعل .
وإلا فوطن
نفسك على
لدغها
ونهشها
بصميم فلبك
فضلاً عن
ظاهر بشرتك
وجسمك .
|